حين تصمت المدافع وتبقى الألغام: الكارثة البيئية المنسية بعد الحروب


مع احتدام الصراعات العالمية، من غزة وأوكرانيا إلى السودان وميانمار، تتصاعد أعداد الضحايا البشرية بوتيرة مرعبة، غير أن السؤال الذي يطرح نفسه والذي أُجيب عليه في بحث جديد: هل يقتصر ثمن الحروب على الأرواح وحدها؟
إحدى أخطر التأثيرات التي تتركها الحروب سلبًا على البيئة هي القنابل غير المتفجرة، فمنذ اندلاع الحرب الروسية–الأوكرانية عام 2022، تحولت أوكرانيا إلى واحدة من أكثر بقاع الأرض تلوثًا؛ إذ تشير التقديرات إلى أن نحو 25 ألف كيلومتر مربع من أراضيها الزراعية ملوثة بالألغام غير المنفجرة، وهو ما يشكل تهديدًا مباشرًا للبيئة والإنتاج الزراعي. ووفقًا للإحصاءات، فقد تراجع إنتاج القمح بنسبة 41%، بعد أن كانت أوكرانيا من كبار المصدّرين عالميًا.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ فالتغيرات المناخية تضاعف الخطر. فارتفاع درجات الحرارة قد يؤدي إلى انفجار بعض الألغام، بينما قد تدفع الأمطار الغزيرة هذه المتفجرات من مواضعها إلى مناطق كانت آمنة سابقًا، مما قد يسلب المزيد من الأرواح بجانب تقليل الزراعة في هذه المناطق، وهو ما أكدته الحكومة الأوكرانية في تصريح رسمي، إذ ذكرت أن الألغام غير المنفجرة حصدت أرواح ما يقرب من ألف مدني منذ بدء الحرب. وما يزيد الوضع سوءًا أن هذه الألغام لا تقتل في لحظتها فحسب، بل تخلّف ضحايا وراءها لفترات طويلة.

ويبرز هذا المشهد المأساوي بوضوح في كمبوديا التي تم قصفها بعنف أثناء الحرب الفيتنامية بين عامي 1955 و 1975، يوجد بها العديد من الذخيرة التي لم تنفجر بسبب أنها هبطت على أرض خصبة وليست صلبة، والتي مازالت تخلف ضحايا حتى اليوم، العديد من المزارعين في كمبوديا يتجنبون الاقتراب من المناطق الزراعية التي يعتقد بوجود ألغام نشطة فيها، مما تقلّص المساحات المزروعة، مما يضعف القدرة الإنتاجية ويقوّض الأمن الغذائي.
علاوة على ذلك، فمن الممكن أن تتأثر التربة المحيطة بموقع الألغام أيضًا، ففي دراسة نشرت بعد فحص منتزه حلجورد-ساكرا الواقعة في شمال شرق العراق والتي شهدت الكثير من الحروب، اتضح أن التربة تم تلويثها وأنها تحتوي على الرصاص والكادميوم والتي لا تعد قاتلة للتربة الزراعية فقط بل مدمّرة أيضًا للنظام البيئي والذي يؤثر مباشرة على البشر، هذا مؤشر على أن التأثير ليس لحظيًا فحسب بل يمكن أن يظهر للعلن بعد عشرات السنين مع تحرك تلك الألغام من موقع إلى آخر.
التغير المناخي الذي يعد محل اهتمام الكثير من المنظمات اليوم يلعب دورًا محوريًا أيضًا، فارتفاع درجات الحرارة والفيضانات وحتى حرائق الغابات يساعدون على اقتراب تلك الذخيرة إلى السطح مما يسهل تنشيطها، أو يمكن أن تنقلها من موقع إلى آخر، على سبيل المثال ارتفاع درجات الحرارة الكبير الذي ضرب العراق بين عامي 2018 و 2019 والتي بلغت 45 درجة مئوية، قاد إلى انفجار ألغام في 6 مواقع، وأيضًا في شرق أوكرانيا عام 2020، اندلعت حرائق في الغابات، ولكن أطقم النجدة عجزت عن الدخول إلى مواقع عديدة لإخماد الحريق بسبب عدد الألغام الكبير في موقع الحريق، مما جعل الحريق يلتهم المنازل في طريقه وأودى بحياة 7 أشخاص.
إن آثار الحروب لا تُقاس بعدد الضحايا الذين يسقطون في ساحات القتال فحسب، بل تمتد كقنابل موقوتة تُخلّف كوارث بيئية تقوّض الحياة لعقود طويلة بعد انقضاء المعارك. ولذا يواصل الباحثون السعي إلى حلول جذرية تمحو هذه المخلفات السامة وتعيد الحياة إلى الأراضي الزراعية الجريحة.
Powered by WPeMatico
ads