الدكتور على الطحاوي يكتب .. توازن النار والصمت.. قراءة للمشهد الراهن بين إيران ودولة الاحتلال الإسرائيلي

أرى ما حدث بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وجمهورية إيران الإسلامية نتيجة علاقات تسير على حافة الانفجار منذ سنوات طويلة، لكن ما تشهده الساعات والأيام الأخيرة يؤشر على تحول نوعي في نمط الاشتباك بين الطرفين بعدما تجاوزت المواجهة حدود التصريحات والتهديدات إلى خطوات ميدانية أكثر جرأة وسط صمت دولي وتجاهل إقليمي يخفي ما هو أخطر من مجرد خلافات سياسية أو مصالح متضاربة.

وأرى المشهد الحالي بين إيران ودولة الاحتلال الإسرائيلي يشهد تحولًا نوعيًا غير مسبوق ينبئ بإمكانية انفجار إقليمي إذا لم تضبط الأمور سريعًا لان الهجوم لدولة الاحتلال الإسرائيلي الذي استهدف مواقع نووية وعسكرية داخل العمق الإيراني ونتج عنه مقتل شخصيات بارزة في الحرس الثوري وتدمير أجزاء من منشأة نطنز لم يكن مجرد عمل عسكري محدود بل رسالة استراتيجية تحمل أبعادًا أمنية وسياسية واضحة.

لقد أرادت دولة الاحتلال الإسرائيلي أن تقول إنها لن تنتظر حتى تمتلك إيران سلاحًا نوويًا ولن تكتفي بالتهديدات الدبلوماسية بل ستتحرك عسكريًا في التوقيت الذي تراه مناسبًا.

وفي المقابل كان رد إيران باستخدام الطائرات المسيرة يعكس تغيرًا في قواعد الاشتباك لأن طهران لم تكتفى بالإدانة أو التصريحات بل بادرت إلى الرد الفعلي السريع مما يكشف عن استعداد مسبق وقرار واضح بعدم المرور على أي ضربة دون رد ولكن عند النظر لطبيعة هذا الرد باستخدام طائرات بدون طيار بدلًا من الصواريخ توحي بأنها تسعى حاليًا للرد المحدود وليس الحرب الشاملة ربما لإبقاء الباب مواربًا أمام التهدئة أو لتجنب استدراج الولايات المتحدة بشكل مباشر.
لأن الضربات المتبادلة التي كانت تنفذ في الظل وتنكرها الأطراف باتت علنية ومدروسة وتدار أمام أعين العالم ضمن قواعد اشتباك دقيقة قد تشعل حرباً شاملة لكنها تبقي التوتر الجيوسياسة دائماً في المنطقة.
وأيضًا بالنسبة لموقف الولايات المتحدة يبدو انها تلعب دور المراقب المنظم لهذا التوتر متجنبة الانفجار الكامل في توقيت يتقاطع مع حسابات داخلية ومصالحها المتشعبة في الإقليم، بينما تسعى بعض الدول الأوروبية للحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار دون قدرة حقيقية على التدخل.

وأرى إيران التي تواصل تمددها في المنطقة منذ سنوات من خلال الحلفاء والميليشيات مازالت تدير معركتها مع إسرائيل بخطاب المقاومة من جهة وبحسابات عقلانية دقيقة من جهة أخرى، فهي تدرك أن الدخول في حرب مباشرة سيكلفها أثماناً باهظة، في ظل أزمات اقتصادية واجتماعية داخلية تمر بها .
ولذلك في المقابل نجد دولة الاحتلال الإسرائيلي تسعى إلى كبح هذا التمدد عبر ضربات استباقية تستهدف الوجود الإيراني في سوريا والعراق ولبنان، وتحاول من خلالها استعادة قوة الردع التي اهتزت بعد هجوم السابع من أكتوبر.

لذلك المشهد لا يقتصر على المواجهة المباشرة، بل يتجلى أيضاً في ساحات متعددة تشهد احتداماً للصراع بالوكالة، من اليمن إلى لبنان إلى غزة، حيث تحولت هذه المناطق إلى مسارح مفتوحة لتصفية الحسابات الإقليمية.
وأرى هذه المعادلة المعقدة تبدو الدول العربية بين متفرج ومراقب ومحاول لاحتواء الانفجار القادم، إذ تدرك أن اتساع رقعة المواجهة سيؤثر على استقرارها وأمنها القومي، وربما على وحدة كيان الدولة نفسها في بعض الحالات.
حتي مشهد التحركات الإيرانية تحمل رسائل رمزية وعملية فهي تسعى إلى ترسيخ معادلة الرد على الضربات الإسرائيلية دون الانجرار إلى حرب شاملة.
وأرى ذلك محاولة لإعادة رسم ميزان الردع بما يشبه ما أنجزه حزب الله في لبنان سابقاً بينما تعتمد إسرائيل على استراتيجيتها التقليدية القائمة على الضربة الوقائية وتوسيع نطاق الاشتباك لمنع الخصم من بناء قاعدة تهديد دائم، لكنها اليوم تعاني من أزمات داخلية تهدد تماسكها السياسي والاجتماعي وتقلل من فعاليتها العسكرية رغم تفوقها النوعي.

وأرى المواقف الدولية تبدو منقسمة ومربكة، فبينما تدعو معظم الدول إلى التهدئة سوف يتجه الموقف الأمريكي لدعم دولة الاحتلال الإسرائيلي من دون التورط المباشر في المعركة، في حين تراقب روسيا والصين الموقف بحذر وتترقب أي فرص يمكن استغلالها في ظل هذه التوترات والأهم من ذلك أن الضربات الإسرائيلية فتحت الباب واسعًا أمام انهيار المفاوضات النووية، وربما تعزز من فرص توجه إيران نحو تسريع برنامجها بعيدًا عن أي التزامات.

لذلك المشهد قد يكون معقد ومفتوح على احتمالات كثيرة لكنه في جوهره يعكس فشلًا عميقًا في احتواء الصراع عبر الدبلوماسية، ويعيد المنطقة إلى مرحلة “ما قبل الاتفاق النووي”، حيث لغة السلاح كانت هي السائدة و استمرار التصعيد سيؤثر على المنطقة بأسرها، وعلى الاقتصاد العالمي، خاصة مع ارتفاع أسعار النفط والمخاوف من تعطيل طرق التجارة.
وإذا لم يتحرك المجتمع الدولي بخطوات جادة للوساطة فإن القادم قد يكون أخطر مما نتوقع.

وبالنسبة للداخل الإيراني قد يواجه النظام معضلة كبيرة بين المحافظة على هيبته الإقليمية واحتواء أزماته الداخلية المتفاقمة ولذلك فإن تصدير التوتر نحو الخارج قد يبدو في بعض الأوقات ضرورة للحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية.
أما في إسرائيل، فإن حالة الانقسام الداخلي والاحتجاجات المجتمعية الواسعة وفشل المؤسستين السياسية والعسكرية في إدارة ملفات الأمن والحرب على غزة قد تدفع نحو قرارات متهورة في بعض الأحيان تستهدف استعادة الردع بأي ثمن.
وبين هذين الطرفين المتأزمين تبقى المنطقة  وحدها من تدفع الثمن الحقيقي، فالمعارك تدور فوق أرضها، والخسائر والمخاطر تزداد في  مستقبل اقتصاداتها .
بينما أرى القوى الدولية تكتفي بإدارة الأزمة دون حلها بل وتوظفها أحياناً كورقة ضغط في صراعاتها الأكبر على النفوذ العالمي وإعادة تشكيل التوازنات.

وأرى ان هذا المشهد الحالي المعقد في ٢٤ ساعة الأخيرة لا يمكن الوصول لحل دون إدراك حقيقي لطبيعة التحولات التي تمر بها المنطقة فالصراع بين إيران ودولة الاحتلال لم يعد مجرد مواجهة تقليدية بين خصمين، بل أصبح مرآة لصراع التواجد والقوة والهويات والتحالفات.
وبالنسبة للدول العربية يعتبر اختباراً صعباً لإرادتها وقدرتها على فرض معادلات جديدة تحفظ أمنها القومي ووحدتها واستقرارها.
لذلك يجب ان تتحرك الدول الإقليمية الكبرى كمصر والسعودية وتركيا بهدوء لاحتواء التوترات ومنع الانفجار الشامل، فكل منها يدرك أن أي انزلاق كبير بين إيران ودولة الاحتلال سيؤثر مباشرة على أمنها القومي واستقرار محيطها الحيوي.

وفي النهاية المشهد لا يزال مفتوحاً على كل الاحتمالات وبين الصمت الدولي أو بعض التصريحات وتحركات الطائرات والطائرات بدون طيار تبقى المنطقة رهينة قرار لم يتخذ بعد و قد يكتب بداية حرب كبرى أو يرسم ملامح توازن مؤقت جديد يشبه الهدوء الذي يسبق العاصفة .

وبين تصعيد محسوب قد يطول وشرارة مفاجئة قد تشعل نيراناً لا تُطفأ، تبقى المنطقة رهينة قرار لم يُتخذ بعد، قد يكون بداية لسلام هش، أو انفجار يعيد رسم الخريطة السياسية من جديد.

  • نوران الرجال

    نوران الرجال عضو لجنة النقل البحري بالجمعية العمومية العلمية للنقل و عضو لجنة التجارة والصناعة بحزب الدستوريين الأحرار و صحفية في دار الهلال ومؤسسة برنامج الكنز في الصندوق و ما لا تعرفه

    Related Posts

    الباحثة نوران الرجال تكتب ..التأثير المحتمل للصراع بين إسرائيل وإيران على اقتصاد مصر وقناة السويس

    يثير التوتر المستمر بين إسرائيل وإيران مخاوف ليس فقط بشأن الديناميكيات الإقليمية في الشرق الأوسط، بل أيضًا بشأن الاستقرار الاقتصادي للدول المجاورة، وخاصة مصر، تناقش هذه المقالة الآثار المحتملة للصراع…

    لحظة كسر الضوابط .. ومقدمة لاشتباك أوسع؟

    لحظة كسر الضوابط… ومقدمة لاشتباك أوسع؟   بقلم: د. عبد الرحيم جاموس   في تطور نوعي يُعد الأخطر منذ عقدين، أعلنت إسرائيل رسميًا مسؤوليتها عن الهجوم الجوي الذي استهدف منشآت…

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *