ads
مدير التحرير: نوران الرجال / المدير العام :د لمياء الاصمعي/ رئيس التحرير: زكريا العبد
ads
العالم World

مصر.. الدولة التي أوقفت الحرب بصوت الحكمة لا بصوت السلاح

 

بقلم: المستشار محمد مختار

في لحظةٍ فارقة من التاريخ، وفي زمنٍ تتقاذفه الصراعات وتتصادم فيه المصالح، أثبتت مصر — من جديد — أنها ليست مجرد دولة في الجغرافيا، بل عقل الأمة وضميرها الحي.
فبين أصوات المدافع وضجيج البيانات، اختارت القاهرة أن تتكلم حين وجب الكلام، وأن تصمت حين يكون الصمت أقوى من الصخب، لتُعيد للعالم معنى القيادة الهادئة التي لا تُقاس بالضجيج، بل بنتائجها على أرض الواقع.

منذ اللحظة الأولى للحرب على غزة، كان الموقف المصري واضحًا لا لبس فيه: رفضٌ قاطع للعدوان، وإصرارٌ على حماية الإنسان قبل الحسابات السياسية.
تحركت مصر في صمتٍ مدروس، تدير الأزمة بعقل الدولة الراسخة التي لا تنجرّ خلف الانفعالات، ولا تنكسر تحت الضغوط.
كانت تدرك أن السلام لا يُصنع في لحظةٍ من التصفيق، بل في ساعاتٍ طويلة من التفاوض الشاق، والاتزان، والحكمة.

رفضت القاهرة منذ البداية التهجير القسري رفضًا قاطعًا، ووجّهت للعالم رسالةً حاسمةً لا تحتمل التأويل:

> “سيناء ليست بديلاً عن غزة، والأرض لا تُباع ولا تُستبدل، والكرامة لا تُقايض بالمساعدات.”

 

بهذه الكلمات وحدها، أعادت مصر تعريف السيادة في زمنٍ حاول فيه البعض العبث بالثوابت، وأثبتت أن الأمن القومي لا يُجزّأ، وأن السيادة ليست محل تفاوض.
كانت القاهرة — كعادتها — تتعامل من منطلق وطني وإنساني، ترفض منطق التهجير والابتزاز، وتؤكد أن كرامة الفلسطينيين جزء من كرامة الأمة بأسرها.

على مدار شهورٍ من النزيف الإنساني في غزة، تحركت الدبلوماسية المصرية في كل الاتجاهات — من واشنطن إلى الدوحة، ومن برلين إلى رام الله — بخيوطٍ دقيقة بين الألغام السياسية والميدانية.
لم يكن هدفها الظهور الإعلامي، ولا تسجيل النقاط في سباق النفوذ، بل إيقاف الحرب وإنهاء المعاناة.
وفي كل لقاءٍ ورسالة واتصال، كان الموقف المصري ثابتًا:
“كفى حربًا.. كفى دمًا.”

استقبلت مصر الوفود، واستضافت الاجتماعات، وفتحت معبر رفح رغم المخاطر، لتُدخل المساعدات وتُخفّف عن المدنيين، في وقتٍ كان فيه الحصار يخنق الأنفاس.
لم تنتظر القاهرة شكرًا ولا إشادة، ولم تُصدر بياناتٍ تبحث عن الأضواء، بل تركت أفعالها تتكلم — كما هي دائمًا — بلغةٍ لا تُترجم إلا في القواميس الكبرى للدول ذات التاريخ والهيبة.

وهكذا جاء إعلان وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في غزة تتويجًا لمسارٍ طويل من الصبر والمثابرة، وإصرارًا مصريًا على أن صوت العقل يجب أن ينتصر على صوت الحرب.
لم يكن الأمر نتاج ضغوطٍ أو تفاهماتٍ مؤقتة، بل ثمرة رؤية استراتيجية بعيدة المدى ترى أن استقرار المنطقة يبدأ من إنهاء دوامة الدماء، وأن الأمن لا يتحقق إلا بالسلام العادل، لا بالحلول المفروضة.

لقد أثبتت مصر أن القوة الحقيقية لا تُختبر في ساحات القتال، بل على طاولات المفاوضات؛ حين تُصاغ الكلمات بحكمةٍ توازي أثر الرصاص، وتُبنى التفاهمات بثباتٍ يعادل الصمود على الجبهات.
فالدولة التي تعرف متى تُصعّد ومتى تُهدّئ، ومتى تتكلم ومتى تصمت، هي الدولة التي تُمسك بزمام المعادلة.

اليوم، لا تُدير القاهرة أزمة غزة فحسب، بل تُدير ضمير المنطقة بأكملها.
تُذكّر العالم أن الإنسان فوق الخرائط، وأن الدم الفلسطيني ليس ورقة تفاوض، بل قضية عدالة ووجود.
وفي وقتٍ ضاعت فيه البوصلة لدى كثيرين، ظلّت مصر تعرف الاتجاه الصحيح، توازن بين الصلابة والمرونة، وتجمع بين الواقعية والكرامة الوطنية.

إن ما تحقق لم يكن صدفة، بل نتاج تاريخٍ طويل من الخبرة والدور والمسؤولية.
فمصر، التي كانت أول من حارب من أجل السلام، هي اليوم من يُعيد إليه معناه الحقيقي.
سلامٌ لا يقوم على الخضوع، بل على العدالة؛ لا يُكتب بالحبر فقط، بل بضميرٍ واعٍ يدرك أن الشعوب لا تُبنى على الركام.

لقد نجحت القاهرة في أن تجعل من وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في غزة لحظةً فاصلةً، تُعيد التوازن للعالم وتُحيي الأمل في قلوب الملايين.
وأثبتت أن دورها ليس رد فعل على الأحداث، بل فعلٌ مؤسس للأحداث ذاتها.
فحين تتكلم مصر، يسمع العالم؛ وحين تتحرك، تتبدل موازين القوى.

إن الدبلوماسية المصرية اليوم لا تحمي حدود الدولة فقط، بل تحمي ضمير الإنسانية.
تُذكّر الجميع أن السلام لا يحتاج إلى منابرٍ ضخمة، بل إلى إرادةٍ واعية، ورؤيةٍ مستقلة، وثقةٍ بالنفس لا تهتز أمام الضغوط.
وها هي مصر — بعقلها، وثباتها، وصدقها — تُثبت مرةً أخرى أنها قلب العالم العربي النابض، وركيزة الاتزان حين يجنّ جنون السياسة.

فحين تنادي القاهرة بوقف الحرب، فذلك ليس تصريحًا سياسيًا عابرًا، بل نداءٌ من دولةٍ تعرف ثمن الدم، وتدرك معنى السلام.
وهكذا تظل مصر — كما كانت دائمًا —
الدولة التي لا تبيع مواقفها، ولا تشتري رضا أحد، بل تكتب التاريخ بعقلٍ راجح، وصبرٍ عظيم، وإرادةٍ لا تنكسر.

تحيا مصر.. دولة الحكمة والسيادة والكرامة. 🇪🇬

ads

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى