Warning: Undefined array key 1 in /home/elriyann/public_html/wp-content/plugins/visitors-online/visitors-online.php on line 505

Warning: Undefined array key 2 in /home/elriyann/public_html/wp-content/plugins/visitors-online/visitors-online.php on line 505
الدكتور عبدالرحمن طه يكتب..قراءة جيو-اقتصادية في الاقتصاد الذي يتسلّمه خوسيه أنطونيو كاست  - الجارديان مصر

الدكتور عبدالرحمن طه يكتب..قراءة جيو-اقتصادية في الاقتصاد الذي يتسلّمه خوسيه أنطونيو كاست 

يدخل الرئيس المنتخب خوسيه أنطونيو كاست الحكم في ديسمبر 2025 على اقتصاد لا يمكن وصفه بالمنهار، لكنه أيضًا بعيد عن حالة الزخم. تشيلي تقف عند نقطة توازن هش، حيث يتجاور نمو معتدل مع سوق عمل ضعيف نسبيًا، ومع ضيق مالي يقيّد أي اندفاعة إنفاقية سريعة. هذه التركيبة تحديدًا هي ما يفسّر بدقة اللغة التي استخدمها الاقتصاديون ووسائل الإعلام عند الحديث عن “ترتيب الحسابات”، و“مراجعة التراخيص”، و“ضبط التوقعات”، باعتبارها المفاتيح الوحيدة المتاحة في هذا السياق.

فعلى مستوى نقطة البداية، لا يمكن قراءة الاقتصاد التشيلي إلا بالأرقام لا بالانطباعات. من حيث النمو الحقيقي، رفع البنك المركزي التشيلي نطاق توقعاته لنمو عام 2025 إلى ما بين 1.75% و2.75%، مع توقعات لعام 2026 تتراوح بين 1.5% و2.5%، بينما يقدّر OECD النمو عند 2.4% في 2025 و2.2% في 2026. هذه الأرقام تضع الاقتصاد بوضوح في خانة “النمو المتوسط”، أي نمو يكفي لتفادي الركود، لكنه غير كافٍ في الوقت نفسه لامتصاص توترات اجتماعية أو خفض بطالة مرتفعة بسرعة.

ويظهر العامل الثاني مباشرة عند النظر إلى سوق العمل. فبحسب المعهد الوطني للإحصاء INE، بلغت البطالة 8.4% خلال الفترة من أغسطس إلى أكتوبر 2025. هذا المستوى يُعد مرتفعًا نسبيًا لاقتصاد يسعى إلى استعادة الثقة الاجتماعية، ويشرح بشكل مباشر توصيف “سوق عمل ضعيف” الذي تكرر في التغطيات الصحفية، لأن هذا المعدل من البطالة يحدّ من الأثر الاجتماعي لأي نمو اقتصادي محدود.

أما من زاوية المالية العامة، فيُظهر تقرير وزارة المالية (Dipres) أن العجز الكلي للقطاع الحكومي المركزي في عام 2025 يتراوح بين –1.4% و–1.5% من الناتج المحلي الإجمالي. هذا العجز ليس كارثيًا بمعايير الاقتصاد الكلي، لكنه يعني ببساطة أن مساحة المناورة المالية محدودة؛ فأي توسع إنفاقي إضافي سيترجم فورًا إلى اتساع العجز أو إلى تسارع وتيرة الدين العام.

وبالفعل، يُقدَّر الدين العام بنهاية عام 2025 عند 42.2% من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يقارب 147 مليار دولار. هذه النسبة لا تزال تحت السيطرة مقارنة بدول أخرى في أمريكا اللاتينية، لكنها تمثل في الوقت نفسه سقفًا نفسيًا وسياسيًا لا يرغب صانع القرار في تجاوزه بسرعة، خاصة في بداية ولاية رئاسية جديدة.

وسط هذه الضغوط مجتمعة، تبرز رافعة استراتيجية واحدة داخل المشهد الاقتصادي، وهي قطاع التعدين. فقد رفعت وكالة Cochilco توقعاتها لاستثمارات التعدين حتى عام 2034 إلى نحو 104.5 مليار دولار، بزيادة قدرها 26% عن التقدير السابق. هذه الكتلة الاستثمارية تمثل فرصة نمو حقيقية للاقتصاد التشيلي، لكنها تظل مشروطة بسرعة التراخيص والاستقرار التنظيمي، وليس بالإنفاق الحكومي المباشر.

ومن هنا يمكن استخلاص الخلاصة الأكاديمية لنقطة البداية: تشيلي لا تواجه أزمة انهيار، لكنها تعمل داخل معادلة ضاغطة تتمثل في نمو يقترب من 2%، وبطالة عند نحو 8.4%، وعجز يتراوح بين 1.4% و1.5% من الناتج، ودين عام يقارب 42% من الناتج المحلي. هذه المعادلة لا تسمح بسياسات صادمة، بل تفرض منطق “التصحيح الهادئ” بدل القفزات الكبرى.

في هذا السياق يأتي برنامج كاست الفائز، والذي كما عكسته التغطيات الكبرى مثل رويترز والفايننشال تايمز والصحافة المحلية، يتمحور حول رهان واضح على القطاع الخاص بدل الدولة. فعلى المستوى العام، تحدّث كاست عن خفض إنفاق حكومي قُدِّر بنحو 6 مليارات دولار خلال 18 شهرًا، مع جدل واضح حول مصادر هذا الخفض، بالتوازي مع الدفع نحو مرونة أكبر في سوق العمل، وخفض ضرائب الشركات، وتقليص القيود التنظيمية أو ما يُعرف بسياسات Deregulation.

وعند الانتقال إلى الوثائق التفصيلية، توضّح خطة “Más y Mejor Trabajo” أن الرؤية تقوم على تسهيل التوظيف الرسمي، وإدخال عقود أكثر مرونة سواء بالساعة أو عبر العمل عن بعد، وتقليل البيروقراطية، مع إعادة تعريف دور Dirección del Trabajo من جهاز رقابي ثقيل إلى إطار أكثر مرونة وتكيفًا مع متطلبات السوق.

اقتصاديًا، تترجم هذه الرؤية إلى معادلة واضحة تقوم على خفض الإنفاق مع خفض الضرائب، وتسريع التراخيص، وتحسين الأمن والاستقرار، بما يؤدي إلى رفع مستوى الاستثمار الخاص، ومن ثم تحقيق نمو يقوده القطاع الخاص. غير أن المخاطرة الأساسية تكمن في أن البرلمان المنقسم يعني أن التنفيذ سيكون تدريجيًا ومجزأً، وليس “تحولًا صاعقًا”، وهو ما يخفف المخاطر المالية قصيرة الأجل، لكنه قد يبطئ النتائج الاجتماعية ويؤخر انعكاسها على سوق العمل.

وعند الانتقال إلى سؤال التموضع الدولي، فإن ما إذا كان كاست “مواليًا لأمريكا” لا يمكن الإجابة عنه بنعم أو لا مطلقة. من منظور علمي، يجب التفريق بين التحالف السياسي والبراغماتية التجارية. سياسيًا وأمنيًا، تصفه التغطيات الدولية بأنه محافظ صلب، بخطاب قريب من اليمين الأمريكي، مع قابلية عالية للاصطفاف مع واشنطن. أما اقتصاديًا، فمن غير المرجح أن يدخل في قطيعة مع الصين، الشريك التجاري الأول لتشيلي، خاصة في قطاع المعادن، ما يجعل التوازن البراغماتي هو السيناريو الأكثر ترجيحًا.

وبذلك يمكن تلخيص الخلاصة الجيو-اقتصادية في عبارة واحدة: غرب سياسيًا، توازن تجاريًا، وانحياز استراتيجي دون انتحار تجاري.

ويبقى السؤال الأخير: لماذا ركّز الخبر تحديدًا على ثلاثية المالية، والتراخيص، والتوقعات؟ لأن هذه الثلاثية تمثل مفتاح تشغيل اقتصاد نموه بطيء وموارده المالية محدودة. ترتيب المالية العامة يهدف إلى تجنّب انزلاق العجز والدين خارج السيطرة، ومراجعة التراخيص تمثل أسرع قناة لتحفيز استثمار خاص ضخم، خصوصًا في التعدين، دون كلفة مالية مباشرة على الدولة، بينما يظل ضبط التوقعات ضرورة سياسية واقتصادية لأن البطالة والأمن لا يتحسنان فورًا، وأي وعود مبالغ فيها سترتد سريعًا كتكلفة سياسية.

في المحصلة النهائية، يتسلّم كاست اقتصادًا ليس في أزمة، لكنه بلا رفاهية الخطأ. خياراته محكومة بأرقام صلبة لا بشعارات، والصراع الحقيقي في المرحلة المقبلة لن يكون بين “يمين ويسار”، بل بين وتيرة الإصلاح الممكنة اقتصاديًا وسقف التوقعات الاجتماعية.

  • نوران الرجال

    نوران الرجال عضو لجنة النقل البحري بالجمعية العمومية العلمية للنقل و عضو لجنة التجارة والصناعة بحزب الدستوريين الأحرار و صحفية في دار الهلال ومؤسسة برنامج الكنز في الصندوق و ما لا تعرفه

    Related Posts

    تعيين فاضل سمير الرئيس التنفيذي المشارك للقطاع التجاري بشركة «Upwyde Developments»

    كتب : ماهر بدر بخبرات تمتد لأكثر من 20 عامًا في كبرى شركات التطوير العقاري. أعلنت آب وايد للتطوير العقاري (Upwyde Developments) عن تعيين فاضل سمير الرئيس التنفيذي المشارك للقطاع…

    برعاية البنك المركزى المصري عقدت جمعية شركاء النجاح للتنمية الاقتصادية وجامعة سنجور الدولية بمصر اول مؤتمر اقتصادي مصري افريقي

    كتب : ماهر بدر نظمت جمعية شركاء النجاح امس الخميس 11 ديسمبر بالتعاون مع جامعة سنجور الدولية بمصر (جامعة سنجور ممثلة لاتحاد وكالات الجامعات الناطقة باللغة الفرنسية باوروبا وافريقيا التابعة…

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *